#arabic#TheDeathOfDeath #joseCoderiro

 

إحتضار الموت

القابلية العلمية للخلود الجسدي والدفاع الأخلاقي عنه

تأليف: الدكتور خوسيه لویس کوردیرو

ترجمة: الدكتور دانا مردوخ

تدقيق: هسة نعيمة




الفهرست:

إهداء

توطئة

مقدمة

جدول المحتويات

مقدمة

 وُجدت الحياة لتعيش

ما الشيخوخة؟ 

أكبر صناعة في العالم؟

 من العالم الخطي إلى العالم الأسي؟

كم تُكلف؟

رعب الموت

نماذج جيدة، سيئة و خبيرة

الخطة «ب»: الحفظ بالتبريد

المستقبل يعتمد علينا

خلاصة

ملحق: التسلسل الزمني الكبير للحياة على الأرض 

شكر وتقدير

الببليوغرافيا

المراجع

خاتمة



مقتطفات من التوطئة:

لقد كان كوفيد 19 تهديداً حديثا للبشرية، لكن أكبر عدو لها هو الشيخوخة والموت. لطالما اعتُبِر طول العمر أحد أهم نعم الحياة، ونحن الآن نملك إمكانية غير مسبوقة للإطاحة بالشيخوخة والموت على حد السواء. في الواقع، احتدم الجدل في العديد من البلدان حول ما إذا كان بالإمكان اعتبار الشيخوخة مرضا في نهاية المطاف، ولكن مرضا قابلاً للشفاء. و قد شرع  العديد من دعاة تمديد العمر النشاط بفعالية في العديد من بلدان العالم على غرار  أستراليا، بلجيكا، البرازيل، ألمانيا، إسرائيل، روسيا، سنغافورة، إسبانيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: من هي الدولة الأولى التي ستعلن رسميا أن الشيخوخة مرض؟ من بين العديد من دول العالم.لقد شرعت منظمة الصحة العالمية(WHO)  في التعرف على الأمراض المرتبطة بالعمر منذ عام 2018، ولكن ليس الشيخوخة نفسها كمرض. فأيُّ بلد سيأخذ زمام المبادرة الآن ويبدأ العمل على الشيخوخة كمرض قابل للشفاء؟.

إن علاج الشيخوخة ليس مجرد واجب أخلاقي، بل سيكون أيضًا أكبر فرصة عمل في السنوات القادمة. فقد بدأت صناعة مكافحة الشيخوخة وتجديد الشباب للتو، بينما تستمر التكاليف الطبية لمجتمعاتنا المسنة في الازدياد. و تشير بعض الدراسات إلى أن تكاليف الرعاية الصحية ستتضاعف بحلول عـام 2050، وذلك راجع في الغالب إلى زيادة أعداد كبار السن . سيكون هذا الأمر مأساويا بشكل خاص في العديد من البلدان المتقدمة ، حيث لا يتقدم السكان في الشيخوخة بسرعة فحسب ، بل أن عدد السكان سيبدأ أيضا في الانخفاض بسبب تراجع عدد الأطفال الذين سيولدون. أما من الناحية الاقتصادية فستكون هذه المشكلة عويصة إذ سيكون هناك عدد أقل وأقل من الشباب في مقابل المزيد من كبار السن .

قد يساعدنا  كوفيد 19على إدراك أنه لا يوجد شيء أكثر أهمية من الصحة، وأن أول حق من حقوق الإنسان هو الحق في الحياة. لقد توحد العالم ضد هذا الوباء العالمي الذي ألهم أكبر حملة تطعيم في التاريخ لاحتواء انتشار كوفيد 19 بعد إنتاج أكثر من 9 مليارات لقاح في عام واحد فقط. يتم الآن تطوير لقاحات جديدة ضد العديد من أنواع السرطان والملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية، وهي ثلاث حالات طبية غير مرتبطة على الإطلاق. إنَّ ما كان يبدو مستحيلاً من قبل أصبح ممكنا الآن. ونأمل أن تكون هذه الأزمة بمثابة فرصة للبدء أخيراً في تخصيص المزيد من الموارد لعلاج منبع جميع الأمراض: الشيخوخة نفسها. هل يمكننا أخيراً أن نحقق الحلم طويل الأمد للبشرية «الخلود» ؟

مقتطفات من المقدمة:

الشيخوخة ، مثل الطقس، لا تحترم الحدود القومية أو العرقية؛ إنها تؤثر على كل مجموعة فرعية من البشرية بشكل متساوٍ إلى حد ما. وقد كثر الحديث عن الاختلافات الموجودة في هذا المجال. على سبيل المثال؛ رغم أن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر إنفاقا على صحة الفرد ، إلا أنها لم تفتك مكانا في مجموعة الثلاثين دولة ذات أعلى متوسط عمر متوقع. ومع ذلك ، لا ينبغي أن تخدعنا هذه الإحصائيات، لأن التفاوتات صغيرة من الناحية العددية: فــمتوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة أقل بخمس سنوات فقط من متوسط العمر المتوقع في اليابان. لذلك أضحى من الضروري إلغاء جميع الحدود في حملة مكافحة الشيخوخة. يجب على العالم ككل أن يتحد وأن يكرس أعظم جهوده لحل هذه المعضلة، لأنها التحدي الرئيسي الذي يواجه البشرية. ف

تقتل الشيخوخة الكثير من الناس، أكثر من أي عامل آخر. إنها مسؤولة عن أكثر من 70 ٪ من الوفيات ، ومعظم هذه الوفيات تسبقها معاناة لا يمكن وصفها بالنسبة لكبار السن وأحبائهم. و لسوء الحظ، فإن الحرب ضد الشيخوخة لم ترق بعد إلى مستوى هذا التحدي. إنها تكتسب زخمًا كبيرًا في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، حيث تتركز الجهود الأكبر في وادي السيليكون (منطقة في كاليفورنيا) بينما تظهر مراكز أيضا في بقية الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة وكندا وأستراليا. كما تظهر ألمانيا أيضا في المقدمة ، وكذلك روسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وإسرائيل. ومع ذلك ، فإن أجزاء أخرى من العالم أبطأ بكثير في تبني هذا المجال. وآسيا تبعث على القلق بشكل خاص، حيث يبدو أن البلدان الأكثر كثافة سكانية لديها صعوبات خطيرة في استيعاب كون الشيخوخة مشكلة طبية، بل الأكثر من ذلك أنها مشكلة قابلة للحل.

أعظم حلم للبشرية

لقد كان الخلود أعظم حلم للبشرية منذ عصور ما قبل التاريخ،  والبشر، على نقيض معظم الكائنات الحية، يدركون ماهية الحياة وبالتالي هم على وعي بماهية الموت أيضا.  وقد ابتكر أسلافنا جميع أنواع الطقوس المتعلقة بالحياة والموت منذ ظهور الإنسان العاقل في إفريقيا. ومارس أسلافنا هذه الطقوس كما خلقوا العديد من الطقوس الأخرى خلال آلاف السنين من الهجرة في جميع أنحاء الكوكب. أما الحضارات العظيمة في العالم القديم فقد ابتكرت طقوسا متطورة للاحتفال بموت شخص ما، وهي طقوس كانت في كثير من الحالات العنصر الأكثر أهمية في حياة أولئك الذين نجوا منها. 

 في العقود الماضية، تم إحراز تقدم علمي مذهل في جميع المجالات ، بما في ذلك علم الأحياء والطب. ففي عام 1953 تم اكتشاف بنية الحمض النووي ، وهو أحد أهم التطورات في علم الأحياء. كما تم تسريع هذه العملية من خلال الاكتشافات اللاحقة مثل الخلايا الجذعية الجنينية والتيلوميرات . أما في الطب فقد تم إجراء أول عملية زرع قلب عام 1967 ، وتم القضاء على الجدري عام 1980، وهناك تطورات هائلة تحدث حاليا في الطب التجديدي والعلاجات الجينية مثل تقنية كريسبر والاستنساخ العلاجي والطباعة الحيوية للأعضاء . 

سنشهد في السنوات القادمة تطورات أكبر وأسرع وذلك بفضل الإستخدام واسع النطاق لأجهزة الإستشعار الجديدة، وتحليل مجموعات ضخمة من البيانات (المعروفة باسم «البيانات الضخمة») واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تفسير وتحليل النتائج الطبية. و هذا الضرب من التطورات لا يحدث بطريقة خطية، بل أنه يحدث بشكل أُسي. والسرعة التي تم بها تسلسل الجينوم البشري تشكل مثالا واضحا عن هذه التقنيات الأسية .

إن عملية رقمنة البيولوجيا و الطب تتم بسرعة كبيرة، وهو ما سيسمح بحدوث تطورات هائلة في السنوات القادمة. كما ستكون مساهمات الذكاء الاصطناعي أكبر من ذلك بكثير، و هو الأمر الذي سيولد ردود فعل إيجابية مستمرة من أجل مزيد من التقدم في مختلف المجالات، بما في ذلك علم الأحياء والطب. من ناحية أخرى ، نجد أن التجارب العلمية قد فلحت بالفعل في إطالة العمر وتجديد نماذج الحيوانات المختلفة على غرار الخميرة والديدان والبعوض والفئران .

يبحث العلماء في أجزاء مختلفة من العالم في كيفية عمل الشيخوخة وكيفية عكسها. من الولايات المتحدة إلى اليابان ، ومن الصين إلى الهند ، مروراً بألمانيا وروسيا. تظهر مجموعات الباحثين أيضا في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ، من إسبانيا إلى كولومبيا ، من المكسيك إلى الأرجنتين ، مروراً بالبرتغال والبرازيل. على سبيل المثال ، قامت مجموعة من العلماء تحت إشراف عالمة الأحياء الإسبانية «ماريا بلاسكو» ، مديرة CNIO ) المركز الوطني الإسباني لأبحاث السرطان في مدريد) ، بإنشاء ما يسمى بالفئران الثلاثية، والتي تعيش لفترة حوالي 40 ٪ أطول من الفئران العادية باستخدام تقنيات مختلفة للغاية، كما تمكّن علماء آخرون مثل الإسباني «خوان كارلوس إيزبيسا»، وهو باحث خبير في معهد سالك للدراسات البيولوجية في لا جولا بكاليفورنيا ، من تجديد حياة الفئران بنسبة 40٪و لا يزال هذا الضرب من التجارب مستمرا في التقدم .  ومن المحتمل أن نستمر في زيادة طول العمر وتجديد شباب الفئران في السنوات القادمة .

في الواقع، إن السبب الرئيسي للوفاة على هذا الكوكب ليس الملاريا ولا السل: إنه الشيخوخة. وبالتالي فإن مشروع التجديد الناجح يلبي جميع المتطلبات المذكورة أعلاه. ثم إن السعي وراء هذا الهدف بعيد كل البعد عن الأنانية أو النرجسية. لن يستفيد من البرنامج الباحثون فقط (وأحبائهم) بل يمكن أن تصل الفوائد إلى الكوكب بأسره، بما في ذلك مواطني المجتمعات الأكثر فقراً والتي لازالت تعاني من تفشي الملاريا والسل. بعد كل شيء، هذه المجتمعات تعاني أيضا من الشيخوخة . 

إن أكبر سبب للمعاناة في العالم هو الشيخوخة والأمراض المرتبطة بها و التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الوفاة. اليوم، يموت حوالي 150.000 شخص في العالم كل يوم . و جُل هذه الوفيات ناتجة عن أمراض مرتبطة بالعمر. أما في البلدان الأكثر تقدما، فيكون الرقم أعلى من ذلك بكثير ، حيث يموت ما يقرب 90 ٪ من الأشخاص بسبب الشيخوخة والأمراض الرئيسية ذات الصلة مثل أمراض التنكس العصبي أو أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان . 

الشيخوخة مأساة يصعب مقارنتها بأي مأساة أخرى. يموت المزيد من الناس في العالم يرميا بسبب الشيخوخة لأنها أَهوَل من مسببات الموت الأخرى مجتمعة. فعلى وجه التحديد، يموت أكثر من ضعف عدد الأشخاص بسبب الشيخوخة مقارنة بمختلف الأسباب الأخرى، بما في ذلك الملاريا، والإيدز، والسل، والحوادث، والحروب، والإرهاب ، والمجاعات ، وما إلى ذلك ، و هو ما يوضحه أوبري «دي جراي» بطريقة واضحة  ومباشرة : «إن الشيخوخة وحشية حقا. لا ينبغي السماح بذلك،  لست بحاجة إلى مناقشة أخلاقية ولا  أي جدال في هذا الصدد. إنها فكرة عميقة فعلا. بل أن ترك الناس يموتون لأمر شنيع للغاية. أنا أعمل على علاج الشيخوخة، وأعتقد أنه يجب عليكم ذلك أيضا، لأنني أشعر أن إنقاذ الأرواح هو أثمن فعل يمكن لأي شخص أن يكرس وقته للقيام به ، وبما أن أكثر من 100000 شخص يموتون كل يوم لأسباب لا يموت منها الشباب أساسا ، سَتُنقَذُ المزيد من الأرواح من خلال المساهمة في علاج الشيخوخة أكثر من أي طريقة أخرى «. 

العدو الأكبر للبشرية هو الموت بسبب الشيخوخة. لطالما كان الموت أسوأ عدو لنا. لحسن الحظ، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن الحروب والمجاعات بشكل كبير في الوقت الراهن، بالإضافة إلى الأمراض المعدية السابقة مثل شلل الأطفال والجدري. و بهذا يكون العدو الرئيسي المشترك للبشرية أجمع ليس التعدد الديني ولا التنوع العرقي أو الاختلاف الثقافي، ولا حتى الحروب أو الإرهاب أو المشاكل البيئية كالتلوث البيئي، والزلازل أو توزيع المياه أو الغذاء، وما إلى ذلك. و على الرغم من عدم إمكانية إنكار المعاناة الرهيبة التي يمكن أن تسببها هذه العوامل في الوقت الحاضر إلا أن أكبر عدو للبشرية هو الشيخوخة و ما ارتبط بها من أمراض . 




وُجِدت الحياة لتعيش

من الواضح أن الموت كان دائما موجوداً، لكن الأشكال الأولى للحياة تطورت من أجل العيش ، وربما من أجل الحصول على الشباب الدائم، في ظل ظروف مثالية. ومع ذلك، فإن الحقائق القاسية للحياة ، مثل نقص الغذاء أو المرض، أدت إلى الموت ، سواء بالنسبة للكائنات الحية المسنة أو غير المسنة . 

يجادل النموذج الحالي في أبحاث الشيخوخة بأن جميع الكائنات الحية تتقدم في العمر. ولقد تحدَّينا هذه النظرة من خلال الفشل في اكتشاف الشيخوخة في خلايا S. pombe التي نمت في ظروف مواتية. وقد أظهرنا أن هذه الخلايا تمر بمرحلة انتقالية بين عدم الشيخوخة والشيخوخة، نتيجة الفصل غير المتماثل لكمية كبيرة من الضرر. و سوف تُسهِم دراسات أخرى في توضيح الآليات الكامنة وراء الانتقال إلى الشيخوخة واعتمادها على المكونات البيئية .

كائنات الشيخوخة الخالدة أو «المهملة » 

إن علم الأحياء وتطور الحياة مبهرين للغاية، فهما مليئان بالمفاجآت لدرجة أنه يمكننا اليوم أن نقول ، كما أصررنا قبلا، أن الحياة ظهرت من أجل العيش، كما يتضح من البكتيريا التي تتكاثر بشكل متماثل في ظل ظروف مثالية. بالإضافة إلى الكائنات بدائية النواة مثل البكتيريا، هناك أيضا كائنات حقيقية النواة مثل الخمائر التي يمكن أن تكون خالدة من الناحية البيولوجية. تُظهر الكائنات الحية القديمة هذه الخاصية أيضا في الخلايا التي تعد مفتاح تطورها ، مثل الخلايا الجرثومية والخلايا الجذعية من كائنات ذوات نواة حقيقة و التي لا تتقدم في العمر أيضا ، أي أنها خالدة بيولوجيا.ً ولسوء الحظ ، فإن الخلايا الجسدية تتقدم في العمر ، وعندما تموت ، تسحب معها موت الخلايا الجرثومية والخلايا الجذعية المحفزة داخل الجسم . 

هناك عدة أنواع من الحيوانات المائية والبرية ذات عمر طويل، بما في ذلك بعض الشعاب المرجانية والإسفنج. أما فيما يخص الأشجار طويلة العمر، فإن أدق التقديرات تشمل شجرة بروميثيوس الشهيرة ، التي تم قطعها عام 1964 للتحقق من عمرها البالغ حوالي 5000 عام ، و كل هذه الأشجار هي أشجار الصنوبر من نوع Pinus longaeva وهي أطول الكائنات الحية الفردية التي نعرفها اليوم. لوضع الأمور في نصابها، دعونا نعتقد أن هذه الأشجار ولدت قبل وقت طويل من بناء الأهرامات في مصر، على سبيل المثال.

توجد فئات من العلماء الذين يدرسون المعمرين و المعمرين الفائقين لفهم المزيد عن شيخوخة الإنسان ، من العوامل الوراثية إلى العوامل البيئية ، بما في ذلك التغذية.  ومع ذلك ، لا يزال البشر يتقدمون في السن ويعانون من الشيخوخة ، لذلك كان من الضروري التعلم من الكائنات ذات الشيخوخة الضئيلة.

هل الخلود البيولوجي ممكن؟

لقد رأينا أنه يوجد بالفعل كائنات مختلفة لا تتقدم في العمر ، أي الكائنات التي لها شيخوخة ضئيلة.  يمكن اعتبارنا أيضاً من هذه الكائنات حيث أن الخلايا “الأفضل” في أجسامنا (الخلايا الجرثومية) لا تتقدم في العمر.  كما أشرنا أيضاً إلى أن الخلايا “الأسوأ” في أجسامنا (الخلايا السرطانية) لا تتقدم في العمر أيضاً.  لذلك ، لا ينبغي أن يكون السؤال هو ما إذا كان الخلود البيولوجي ممكناً ، لأنه كذلك بالفعل.

 السؤال ، كما ناقشنا بالفعل ، يجب أن يكون بالأحرى متى سيكون من الممكن وقف الشيخوخة لدى البشر؟.  

من الواضح أيضاً أن التذرع بقوانين الديناميكا الحرارية كحدود للحياة أمر غير صحيح ، نظراً للخلود التطوري لأشكال الحياة.  لطالما كان هذا الاحتجاج هاوٍ بشكل فاحش على أي حال ، ذلك أن هذه القوانين تنطبق فقط على الأنظمة المغلقة.  الحياة على الأرض ليست نظاماً مغلقاً.  تتلقى الأرض إمدادات وفيرة من الطاقة الشمسية. وبالتالي ، فإن بعض أعمق تحيزات  لعلماء الأحياء المحترفين فيما يتعلق بالخلود خاطئة بالتأكيد.  الشيخوخة ليست كونية.  هناك كائنات حية خالدة بيولوجيا.

ما هي الشيخوخة؟

في القرن الرابع قبل الميلاد، كان الفيلسوف اليوناني «أرسطو» من أوائل الذين رفعوا راية الدراسة العلمية للشيخوخة لدى كل من النباتات والحيوانات. في القرن الثاني بعد الميلاد ، اقترح الطبيب جالينوس أن الشيخوخة تبدأ مع تغير الجسم وتدهوره منذ سن مبكرة.  أما في القرن الثالث عشر، فقد طرح الفيلسوف والراهب الإنجليزي روجر بيكون نظرية «التلف».  وفي القرن التاسع عشر ، فتحت أفكار عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين الباب أمام النظريات التطورية للشيخوخة ، بالإضافة إلى مناقشات رائعة حول الشيخوخة المبرمجة مقابل الشيخوخة غير المبرمجة.

أشكال الشيخوخة ، مزيد من الشيخوخة وعدم الشيخوخة:

كما رأينا في الفصل الأول من الكتاب ، هناك كائنات حية لا تتقدم في العمر ، وكذلك خلايا لا تتقدم في العمر أيضاً، حتى داخل جسم الإنسان نفسه.  تمتلك الكائنات الحية الأخرى أيضًا القدرة على تجديد أي جزء من أجسامها ، بما في ذلك الدماغ.  بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار الشيخوخة عملية فردية أو موحدة ، حيث توجد بعض أشكال الحياة التي لا تتقدم في العمر والبعض الآخر تظهر شيخوخة ضئيلة.

 نعلم اليوم أيضاً أن هناك كائنات حية من النوع نفسه  قد تتقدم في العمر أو لا تتقدم ، اعتماداً على نوع التكاثر.  بشكل عام ، يكون التكاثر اللاجنسي عرضة لعدم الشيخوخة ، في حين أن التكاثر الجنسي عرضة للشيخوخة، حتى في الأفراد الخنثوية من النوع نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، هناك اختلافات في معدل الشيخوخة بين الأفراد من النوع نفسه ، بين الكائنات الحية الأنثوية، الذكورية أو الخنثوية. كما يختلف متوسط العمر المتوقع للإناث من بعض الأنواع الحية عن متوسط العمر المتوقع للذكور، و الأمر نفسه بالنسبة  للأنواع التي تحتوي  على كائنات خنثى.  توجد أيضاً اختلافات كبيرة بين شيخوخة أعضاء مستعمرات الحشرات الاجتماعية ، مثل الاختلاف الكبير بين متوسط العمر المتوقع للنحل الذكر وملكات النحل والنحل العامل.

 تؤثر الظروف البيئية أيضاً بشكل كبير على متوسط العمر المتوقع ، خاصة في أنواع مثل الحشرات واللافقاريات التي لا تتحكم في درجة حرارة أجسامها.  على سبيل المثال ، تُؤدي مستويات درجة الحرارة وكمية الطعام إلى تغيرات كبيرة في متوسط العمر المتوقع للديدان والذباب.  كما يؤدي انخفاض درجات الحرارة وتقييد السعرات الحرارية إلى زيادة متوسط العمر المتوقع للعديد من الأنواع الحية.

هناك أيضاً خلايا تعيش لوقت قصير ، وأخرى تعيش لفترة طويلة ، حتى داخل الكائن الحي نفسه. فمثلاً ، لدى البشر ، يبلغ متوسط العمر المتوقع للحيوانات المنوية ثلاثة أيام (على الرغم من أن الخلايا الجرثومية التي تنتجها لا تتقدم في العمر) ، و عادة ما تعيش خلايا القولون عادةً أربعة أيام، و خلايا الجلد أسبوعين أو ثلاث ، وخلايا الدم الحمراء أربعة أشهر ، وخلايا الدم البيضاء أكثر من سنة ، والخلايا العصبية للقشرة المخية الحديثة عادةً ما تدوم مدى الحياة.  نعلم اليوم أيضاً أن الخلايا العصبية في بعض أجزاء الدماغ يمكن أن تتجدد ، على عكس ما كان يُعتقَد حتى وقت قريب، حيث توجد أيضاً خلايا جذعية في مناطق مختلفة من الدماغ.

توضح الأمثلة المذكورة أعلاه أن علم الأحياء استغرق ملايين السنين لتجربة أشكال مختلفة من الحياة ، وأنواع مختلفة من الكائنات الحية ، وطرق مختلفة للتكاثر ، وأنواع مختلفة من الجنس ، وأشكال مختلفة من الخلايا ، وأنماط نمو مختلفة ، ونماذج مختلفة للشيخوخة ، و أيضاً عدم الشيخوخة في بعض الحالات.

نظريات الشيخوخة في القرن الحادي والعشرين

 على الرغم من التقدم الكبير في القرن العشرين، لا توجد حتى الآن نظرية مقبولة عالمياً للشيخوخة.  في الواقع ، هناك عدد كبير من النظريات المتنافسة حالياً ، والتي يمكن تقسيمها بعدة طرق.  على سبيل المثال ، في دورة بجامعة بيركلي بكاليفورنيا، تم النظر في أربع مجموعات رئيسية: النظريات الجزيئية ، والنظريات الخلوية ، والنظريات النظامية، والنظريات التطورية ، وكل مجموعة بدورها لديها ثلاث نظريات أو أكثر داخل المجموعة.  وفي المجموع ، يمكن تصنيف أكثر من اثنتا عشرة نظرية  ضمن هذه المجموعات الرئيسية الأربع: تقييد الكودون ، وكارثة الخطأ ، والطفرة الجسدية ، وعدم التمايز ، وتنظيم الجينات ، والتآكل ، والجذور الحرة ، وموت الخلايا المبرمج ، والشيخوخة ، ومعدل الحياة ، والغدد الصماء العصبية ، والمناعة.  ، الجسد البالي،  تعدد الأشكال العدائي ، وتراكم الطفرات.

يجب أن تؤدي المعرفة الأكبر عن الشيخوخة إلى إدارة أفضل للأمراض الفتاكة المرتبطة بالشيخوخة ، على غرار السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني والزهايمر.  كما ستكون العلاجات التي تستهدف الآليات الأساسية للشيخوخة مفيدة في مواجهة هذه الأمراض المرتبطة بالعمر.

 ولذلك ، فإن هذه الرسالة هي دعوة للعمل من أجل مزيد من التمويل والبحث في كل من الآليات الأساسية للشيخوخة وطرق إرجائها. وقد تسفر هذه الأبحاث عن مكاسب تفوق بكثير الجهود المتساوية لمكافحة الأمراض المرتبطة بالعمر نفسها.  ومع تزايد فهم آليات الشيخوخة ، يمكن تطوير تدخلات فعالة بشكل متزايد من شأنها أن تساعد على إطالة العمر الصحي والمنتج لعدد كبير من الناس.

ما هي المسببات السبع للشيخوخة؟  الأسباب الفتاكة السبعة ؟  تحدث جميعها على المستوى المجهري ، داخل الخلايا وخارجها.  لن يؤذيك القليل من الضرر عادة ، لكن هذا الضرر يتراكم على مر السنين بمعدل متسارع ، ولهذا يصبح الأشخاص أشد هشاشة ويموتون. في كتابه «إنهاء الشيخوخة: اختراقات التجديد التي يمكن أن تعكس شيخوخة الإنسان في حياتنا» ، يشرح «دي جراي» هذه الأسباب السبعة:

  1. المخلفات داخل الخلايا
  2. المخلفات بين الخلايا
  3. طفرات النواة
  4. طفرات المءيتوكوندريا
  5. فقدان الخلايا الجذعية
  6. زيادة الخلايا الشائخة
  7. زيادة روابط البروتين بين الخلايا

أسباب الشيخوخة وأركانها

تتميز الشيخوخة بفقدان تدريجي للسلامة الفيزولوجية ، مما يؤدي إلى الضعف الوظيفي وزيادة احتمال التعرض للموت.  هذا التدهور هو عامل الخطر الرئيسي للأمراض البشرية الرئيسية، بما في ذلك السرطان والسكري واضطرابات القلب والأوعية الدموية والأمراض العصبية التنكسية.  وقد شهدت أبحاث الشيخوخة تقدمًا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة ، لا سيما مع اكتشاف أن معدل الشيخوخة  يتم التحكم فيه ، على الأقل إلى حد ما ، من خلال المسارات الجينية والعمليات الكيميائية الحيوية المحفوظة في التطور.  وتعدد هذه المراجعة تسع سمات مؤقتة تمثل قواسم مشتركة للشيخوخة في الكائنات الحية المختلفة ، مع التركيز بشكل خاص على شيخوخة الثديات.  وهذه السمات المميزة هي: عدم الاستقرار الجيني ، استنزاف التيلومير ، التغيرات اللاجينية ، فقدان البروتين ، استشعار المغذيات غير المنظم ، اختلال وظائف الميتوكوندريا ، الشيخوخة الخلوية ، استنفاذ الخلايا الجذعية ، وتغيير الاتصال بين الخلايا.  يتمثل التحدي الرئيسي في تحليل الترابط بين السمات المميزة للمرشح ومساهماتها النسبية في الشيخوخة، مع الهدف النهائي المتمثل في تحديد الأهداف الصيدلانية لتحسين صحة الإنسان أثناء مرحلة الشيخوخة ، مع الحد الأدنى من الآثار الجانبية.

لقد فتن هدف إبطاء الشيخوخة البشرية لآلاف السنين ، لكنه لم يكتسب المصداقية إلا مؤخرًا.  و تثير النتائج الحديثة التي تفيد بأن الشيخوخة يمكن أن تتأخر في الثدييات احتمالية إطالة أمد صحة الإنسان.  و يوجد شبه إجماع بين الباحثين المتقدمين في السن على أن هذا ممكن ، ولكن فقط إذا توفرت الموارد لتحقيق أهداف في مجالات تتراوح من علم الأحياء الأساسي إلى الطب الانتقالي.

إن النهج الحالي لعلاج الأمراض المزمنة غير كاف ومجزأ.  بحلول الوقت الذي يتم فيه تشخيص الأمراض المزمنة سيكون الكثير من الضرر قد حدث بالفعل والتراجع عنه سيكون أمرا صعبا.  في حين أن فهم السمات الفريدة لأي مرض معين هو أمريستحق الثناء ومن المحتمل أن يكون ذا قيمة علاجية ، فإن الأساليب المتبعة لفهم السبب المشترك ، ألا وهو الشيخوخة ، ستكون مهمة بشكل فريد.  إذا تمكنا من فهم كيف تؤدي الشيخوخة إلى ظهور المرض ، فقد يكون من الممكن (بل وحتى أسهل) استهداف هذا المكون الشائع للمرض.  وقد يتيح استهداف الشيخوخة التدخل المبكر وتجنب الضرر ، والحفاظ على الحيوية والنشاط ، مع تعويض الأعباء الاقتصادية للسكان المتقدمين في السن الذين تعوقهم أمراض مزمنة متعددة.

 وفقًا للعالم التشيلي الأمريكي «فيليب سييرا» ، مدير قسم بيولوجيا الشيخوخة في المعهد الوطني للشيخوخة بالولايات المتحدة ، فإن الأركان السبعة للشيخوخة هي:

  1. الالتهاب
  2. التكيف مع الإجهاد
  3. علم التخلق والحمض النووي الريبي التنظيمي
  4. الاسْتِقْلاب
  5. الضرر الجزيئي الكبير
  6. الحفاظ على التوازن البروتيني
  7. الخلايا الجذعية والتجديد

تمكن الباحثون من جعل نوع من الديدان الخيطية يعيش سبع مرات أطول من خلال التلاعب بالجينات المسؤولة عن الشيخوخة. فإذا طبقنا هذه التكنولوجيا على البشر، سنتمكن من العيش لــ 350 أو 400 سنة.  بالطبع ، لا يمكن أن نجري أبحاثا باستخدام مواد بشرية ، لكن ليس من غير المعقول أن نصل يومًا ما إلى هذا العمر الطويل.  في غضون 50 أو 100 أو 200 عام ستكون الاحتمالات عظيمة لدرجة أنه من الصعب تخيل ما سيحدث.  قد يكون لدينا أجنحة ونكون قادرين على الطيران ، أو نكون بطول أربعة أمتار … ستكون البشرية هي التي تقرر ما سيكون عليه مستقبلها.

بغض النظر عن التعريف الذي نستخدمه لوصف الشيخوخة، هناك قدر كبير من الاتفاق على المصطلحات والأفكار الرئيسية.  كما أن هناك نقطتان مهمتان يجب مراعاتهما حيث يوجد إجماع متزايد حولهما:

  • تحدث الشيخوخة بشكل تدريجي ، أي خلال جزء كبير من الدورة الحيوية للجسم.  لذلك ، فهي في الأساس عملية ديناميكية ومتسلسلة ، قابلة للتقسيم إلى مراحل منفصلة كما هو مرغوب ، بحيث يمكن أيضًا مهاجمة الضرر بالتتابع.
  • لا تعتبر الشيخوخة اليوم أمرا «لا مفر منه» بيولوجيًا أو حتى «لا رجعة فيه» ، بل إننا نعلم الآن أنها عملية «بلاستيكية» و «مرنة» يمكننا التلاعب بها.  وبهذا المعنى ، لا يشير دليل بيولوجيا الشيخوخة أيضًا إلى كونها عملية «حتمية» ، ويعترف على وجه التحديد بإمكانية وجود خلايا وكائنات حية لا تتقدم في العمر ؛  كما أن العملية لا تسمى «لا رجعة فيها» ، حيث يتحدث الدليل عن إمكانية إصلاح الضرر. 

الشيخوخة كمرض

في السنوات الأخيرة ، كان هناك تغيير كبير في العقلية المتعلقة بمعرفتنا للشيخوخة ، ويوجد علماء بدأوا في التأكيد على أن الشيخوخة مرض. و لحسن الحظ ، في هذه الحالة ، الشيخوخة مرض قابل للشفاء ، ونأمل أن نحقق علاجًا في السنوات القادمة ، على الرغم من أن كل شيء يعتمد على الدعم العام والسياسي لتسريع البحث.

خلال القرن الماضي ، توقفت بعض الحالات التي كانت تعتبر أمراضا عن ان تكون كذلك , تماما كما أصبحت بعض الحالات التي لم تكن أمراضا تعتبر كذلك. وقد نشرت مجموعة من الباحثين الدوليين (البلجيكي سفين بولتيريجس ، والسويدي فيكتور سي إي بيورك ، والإنجليزية رافايلا إس. هال وآفي جي روي) عام 2015 مقالاً بعنوان «حان الوقت لتصنيف الشيخوخة البيولوجية كمرض» في المجلة العلمية Frontiers in Genetics،  (مجلة فرونتيرز في علم الوراثة) ، حيث يشرحون:

 إن ما يعتبر طبيعيًا وما يعتبر مرضيا يتأثر بشدة بالسياق التاريخي.  الأمور التي كانت تعتبر من قبل أمراضًا لم تعد تُصنف على هذا النحو.  على سبيل المثال ، عندما كان العبيد السود يهربون من المزارع ، وُصِفوا بأنهم يعانون من هوس القفص ، وتم استخدام العلاج الطبي لمحاولة «علاجهم».  وبالمثل ، كان يُنظر إلى الاستمناء على أنه مرض وعولج بعلاجات من قبيل قطع البظر أو الكي.  وأخيرًا ، تم اعتبار المثلية الجنسية مرضًا مؤخرًا في عام 1974. بالإضافة إلى التأثير الاجتماعي والثقافي على تعريف المرض ، فقد أدت الاكتشافات العلمية والطبية الجديدة إلى مراجعة ما هو مرض وما هو غير ذلك.  على سبيل المثال ، كان يُنظر إلى الحمى ذات مرة على أنها مرض بحد ذاته ولكن إدراك أن الأسباب الكامنة المختلفة قد تؤدي إلى ظهور الحمى قد غير حالتها من مرض إلى عرض.  وعلى النقيض من ذلك ، فإن العديد من الأمراض المعروفة حاليًا ، مثل هشاشة العظام وارتفاع ضغط الدم الانقباضي المعزول ومرض الزهايمر الشيخوخي ، كانت تُعزى في الماضي إلى الشيخوخة الطبيعية.  وقد تم الاعتراف بهشاشة العظام رسميًا كمرض في عام 1994 من قبل منظمة الصحة العالمية.

 تقليديا، كان يُنظر إلى الشيخوخة على أنها عملية طبيعية وليست مرضًا.  ولربما يكون هذا التقسيم قد نشأ جزئيًا كطريقة لإثبات الشيخوخة كنظام بحثي مستقل.  ويذهب بعض المؤلفين إلى حد إنشاء حد فاصل بين عمليات الشيخوخة الذاتية (المسماة بالشيخوخة الأولية) وأمراض الشيخوخة (المسماة بالشيخوخة الثانوية).  على سبيل المثال ، يعتبر أطباء الجلدية شيخوخة الجلد ، التدهور المتسارع للجلد نتيجة للأشعة فوق البنفسجية إبان حياة المرء ، حالة تؤدي إلى المرض.  في المقابل ، يتم قبول شيخوخة الجلد الزمنية كأمر طبيعي.  بالإضافة إلى عدم اعتبار الشيخوخة كمرض بحد ذاتها ، يُنظر إليها على أنها عامل خطر للإصابة بالمرض.  ومن المثير للاهتمام أن ما يسمى «بأمراض الشيخوخة المتسارعة» مثل متلازمة هتشينسون جيلفورد بروجيريا Hutchinson-Gilford Progeria Syndrome ومتلازمة ويرنر Werner syndrome وخلل التقرن الخلقي Dyskeratosis Congenita تعتبر أمراضًا.  تعتبر Progeria مرضًا ولكن عندما تحدث التغييرات نفسها لشخص أكبر من 80 عامًا ، يتم اعتبارها أمر طبيعي ولا يستحق عناية طبية.

نحن نؤمن بأنه يجب أن يُنظر لعملية الشيخوخة على أنها مرض ، وإن كان مرضًا بمثابة عملية شاملة ومتعددة الأنظمة.  إن نظام رعايتنا الصحية الحالي لا يعترف بعملية الشيخوخة كمسبب رئيسي للأمراض المزمنة التي تصيب كبار السن.  على هذا النحو ، تم إعداد النظام ليكون رجعيًا ، وبالتالي فإن حوالي 32 ٪ من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يخصص للعامين الأخيرين من حياة المرضى المصابين بأمراض مزمنة ، دون أي تحسن كبير في نوعية حياتهم. لا يمكن الدفاع عن نظام الرعاية الصحية الحالي لدينا سواء من الناحية المالية أو الصحية أو حتى من منظورالرفاهية.  حتى التخفيف البسيط من عملية الشيخوخة من خلال تسريع البحث حول الشيخوخة ، وتطوير الأدوية المضادة للشيخوخة والأدوية التجديدية ، يمكن أن يحسن بشكل كبير من صحة ورفاهية الأفراد الأكبر سنًا، وينقذ نظام الرعاية الصحية الفاشل لدينا.

يعد الاعتراف بحالة أو عملية مزمنة كمرض علامة فارقة مهمة لصناعة الأدوية  والمجتمع الأكاديمي  وشركات الرعاية الصحية والتأمين ، وصانعي السياسات ، والأفراد ، حيث يؤثر  وجود حالة في تسمية المرض وتصنيفه بشكل كبير على الطريقة التي يتم علاجه بها، إجراء الأبحاث عنه، و سداد تكاليفه.  ومع ذلك ، فإن التوصل الى تعريف مرضٍ للمرض يمثل تحديًا ، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى التعريفات الغامضة للحالة الصحية والمرض.  هنا ، نستكشف الفوائد المحتملة للاعتراف بالشيخوخة كمرض في سياق التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحالية والتطورات الطبية الحيوية الحديثة.

أنا أؤمن بأن الشيخوخة مرض.  أعتقد أنه قابل للعلاج.  أعتقد أنه يمكننا معالجته في حياتنا.  وبذلك ، أعتقد أن كل ما نعرفه عن صحة الإنسان سيتغير بشكل جذري.

أكبر صناعة في العالم؟

لقد  ظهرت صناعات جديدة عبر تاريخ البشرية بفضل التقنيات التي كانت تعتبر في ذلك الوقت مستحيلة حتى أصبحت حقائق.  العديد من هذه الصناعات فقدت مصداقيتها تمامًا من قبل «الخبراء» في عصرهم.  لحسن الحظ ، نمت هذه الشركات بسرعة لتصبح أجزاء أساسية من الاقتصاد العالمي.

 تعرضت العديد من أهم الصناعات في عالمنا اليوم للسخرية يوما ما. و انتقلت العديد من التقنيات والصناعات الهامة من خانة المستحيل إلى خانة الأساسي.  خذ في الاعتبار الاختراعات والاكتشافات التالية كأمثلة: » القطارات، الهواتف، السيارات، الطائرات، الطاقة الذرية، الرحلات الفضائية، الحواسيب الشخصية، الهواتف المحمولة.

 

 

 

ولدت صناعة جديدة «مستحيلة» وستصبح لا غنى عنها في القريب العاجل.

منذ بداية هذا القرن، وبفضل التقدم العلمي الذي يسمح لنا بفهم عمليات الشيخوخة ومكافحة الشيخوخة بشكل أفضل ، ظهرت صناعة كانت حتى القرن العشرين «مستحيلة» علميًا ، لكنها في النصف الأول من القرن الحادي و العشرين.  – قد تصبح حقيقة واقعة.  نحن نتحدث عن صناعة التجديد البشري، التي لديها القدرة على أن تصبح أكبر صناعة في التاريخ ، حيث ان شيخوخة الانسان تعد أعظم عدو للبشرية بأسرها.  إذ تسبب الأمراض المرتبطة بالشيخوخة أكبر قدر من المعاناة لأكبر عدد من الناس ، خاصة في الدول المتقدمة ، حيث يستسلم حوالي 90٪ من السكان لرعب الشيخوخة.  وقد كانت هذه هي الحقيقة المحزنة حتى اليوم، عندما أصبح لدينا بالفعل دليل موثوق على أن التحكم في الشيخوخة وتجديد الشباب هو أمر ممكن.  و براهين المفهوم موجودة بالفعل في الخلايا، في الأنسجة، في الأعضاء وفي الكائنات الحية النموذجية مثل الخمائر والديدان والذباب والفئران.

 نحن نعيش في لحظة تاريخية نمتلك فيها لأول مرة الفرصة العلمية والمسؤولية الأخلاقية لإنهاء أكبر مأساة للإنسانية.  نحن نعلم اليوم أن علاج الشيخوخة أمر ممكن ؛ ونعلم أيضًا أنه لن يكون سهلاً ، ولا يزال لدينا الكثير لنتعلمه ونكتشفه ، وسيتعين علينا استثمار كميات هائلة من الموارد من جميع الأنواع (البشرية ، والعلمية ، والمالية ، إلخ.  ).  على الرغم من كل المشاكل المستقبلية ، التي لا يزال الكثير منها غير متوقع وحتى لا يمكن التنبؤ به ، يمكننا اليوم أن نرى أخيرًا أن هناك ضوءًا في نهاية النفق.

يتمتع العلماء الآن بفهم جيد للتركيبة الجينية الأساسية للبشر بفضل الكشف عن الجينوم البشري في مطلع القرن الحادي والعشرين واكتشاف بنية الحمض النووي قبل حوالي 50 عامًا.  يتصارع الباحثون في مجال الشيخوخة الآن مع مسألتين رئيسيتين:

  1.  كيفية علاج أو التحكم في الأمراض التي تصبح أكثر انتشارًا و تدميرا مع تقدم الناس في السن؛ و
  2.  كيفية البحث في الشيخوخة كمرض واحد في حد ذاته – أو وضعها بطريقة أخرى ، كنوع من أنواع الحالة المرضية.

 يتم الآن فحص الطرق الأساسية التي تعمل بها خلايانا بهدف فهم كيفية  إبطاء أو ايقاف أو حتى عكس عملية الشيخوخة.  هناك العديد من المسارات المتورطة في الشيخوخة ، ولا يزال علم اكتشافها وتعديلها في مهده ، لكنه منطقة تشهد نموًا هائلاً.

 يظهر نظام بيئي لصناعة التجديد العلمي

 بالكاد بدأت الصناعة العلمية لمكافحة الشيخوخة والتجديد.  ولسوء الحظ ، كانت هناك منذ فترة طويلة مضت  صناعة علمية زائفة أخرى صمدت واستمرت لعقود وقرون وآلاف السنين وحتى قبل ذلك.  لقد وُجدت الجرعات المعجزة ، والحبوب االمبهرة، والمستحضرات العجيبة ، والكريمات السحرية ، والدعوات الروحية ، والصلوات الخارقة للطبيعة منذ زمن بعيد ومن المرجح أن تستمر في الوجود لسنوات عديدة قادمة.  ومع ذلك ، وبفضل التقدم التكنولوجي المتسارع ، نأمل أن يدفع ضوء العلم ظلام العلوم الزائفة إلى الوراء.

 لهذا السبب من الضروري دعم عمل العلماء الذين يعملون بجد لتحقيق أول حلم عظيم للبشرية ، كما رأينا من قبل: الخلود (أو بدقة أكثر: عدم الموت).  على الرغم من أنهم قد لا يقولون ذلك كثيرا ، فإن الفكرة الأساسية هي هزيمة ، علميًا وأخلاقيًا ، العدو الأكبر للبشرية جمعاء – الشيخوخة – والتي هي بلا شك أكبر سبب لمعاناة البشرية اليوم.

العلم والعلماء وجذب الاستثمارات والمستثمرين

بدأت التطورات العلمية في العقود الأخيرة في جذب المستثمرين لتمويل المزيد من الأبحاث.  الآن وقد بدأ العلم والعلماء في الحصول على نتائج فعلية، حتى لو كانت لا تزال على مستوى الكائنات الحية مثل الديدان أو الفئران ، يمكننا القول أن النرد قد أُلقي، كما قالها الروماني يوليوس قيصر عند عبور نهر روبيكون:  alea iacta est! . إلى جانب الاستثمارات العامة ، لدينا الآن إمكانية البحث عن استثمارات خاصة لإجراء المزيد من الأبحاث التي نأمل أن تولد قريبًا أولى التجارب السريرية البشرية بناءً على النتائج الإيجابية في الحيوانات.  وهكذا ولدت صناعة مكافحة الشيخوخة والتجديد العلمي ، مع إمكانية أن تصبح أكبر قطاع في الاقتصاد وتحويل تاريخ البشرية: قبل وبعد حتمية الموت.

التكنولوجيا الحيوية وعلم الشيخوخة على وجه الخصوص على مشارف انفجار علمي يناظر الانفجار الكامبري (Cambrian explosion) حيث سيتم تحويل الرعاية الصحية إلى علم معلومات قادر على تحسين حالة الإنسان بشكل أعمق حتى من ظهور المضادات الحيوية ، وعلم الأدوية الجزيئي الحديث ، والثورة الزراعية الخضراء.  يعتمد المسار الزمني لهذا التحول التطوري الكبير وما إذا كنا نعيش نحن وأحبائنا لفترة كافية للاستفادة من هذه الاختراقات على خيارات المجتمع العلمي والاستثماري اليوم.

على الصعيد العالمي ، ظهر بالفعل نظام بيئي حديث لطول العمر، والذي يجمع بين العلم والتمويل والأعمال والحكومات والجهات الفاعلة الوطنية والدولية الأخرى.  إننا في مرحلة الانتقال من العالم المحلي إلى العالم العالمي ، حيث تنتقل التغييرات أيضًا من الخطي إلى الأسي. لقد آن الأوان لمحاولة جعل هذا النظام البيئي الهش ينمو بشكل كبير إلى أكبر صناعة في العالم ، الصناعة التي ستقودنا إلى موت الموت. 

من العالم الخطي إلى العالم الأسي

منذ بداية الإنسانية ، كان العلم والتكنولوجيا دائمًا المحفزان الرئيسيان للتغيير والاختراقاتلعلم والتكنولوجيا هما ما يميزان الجنس البشري عن الأنواع الحيوانية الأخرى. لقد سمحت الاختراعات والإبداعات و الاكتشافات مثل النار والعجلة والزراعة والكتابة بتقدم الإنسان العاقل العاقل ( Homo sapiens sapiens) من أسلافنا البدائيين في السافانا الأفريقية إلى الرحلات الفضائية الأولى.  بفضل التغييرات الأسية، سنكون قادرين قريبًا أيضًا على التحكم في شيخوخة الإنسان وتجديد شبابه.

لم تعد الأزمة الديموغرافية القادمة فائضًا من البشر ، بل هي ركود محتمل وانخفاض في عدد سكان الكوكب.  إذا قمنا بتحليل أسباب تقدم العالم كثيرًا في هذين القرنين ، فإن أحد الأسباب الرئيسية هو على وجه التحديد الزيادة في عدد السكان.  المزيد من الناس يفكرون ، المزيد من الناس يعملون ، المزيد من الناس يصنعون ، المزيد من الناس يبتكرون ، المزيد من الناس يكتشفون ، المزيد من الناس يخترعون.  الناس لا يأتون إلى العالم فقط بفم للأكل وعقب للتغوط ، لا ، يأتي الناس إلى العالم بدماغ ، و هو ما يعتبر أكثر الهياكل تعقيدًا في الكون المعروف.  الدماغ هو عضو عجيب لديه القدرة على تخيل وإنشاء أي شيء تقريبًا.

تسفر شيخوخة سكان العالم عن آثار بشرية واجتماعية وخيمة ، فضلاً عن عواقب اقتصادية جسيمة.  فمع استمرار ارتفاع معدل الشيخوخة ، سيكون هناك عدد أقل من العاملين والمزيد من المتقاعدين أو أرباب المعاشات.  من ناحية ، بالنسبة لمعظم الناس ، تزداد النفقات الطبية بسرعة مع تقدم العمر ، ومعظم تكاليف الرعاية الطبية تحدث في السنوات الأخيرة من الحياة.  وبالتالي ، ينتهي الأمر بوفاة غالبية المرضى بعد تكبدهم تكاليف فردية واجتماعية ضخمة.  من ناحية أخرى ، من المثير للاهتمام ، أن أولئك الذين يطلق عليهم المسنين (الأشخاص الذين يبلغون من العمر 95 عامًا دون أن يصابوا بأمراض السرطان أو الخرف أو أمراض القلب أو داء السكري) يميلون إلى «انحصار الأمراص» ويموتون بسرعة ، دون تكبد تكاليف طبية كبيرة.

لقد آن الأوان لفتح طريق جديد لمستقبل البشرية.  حان الوقت لبدء رحلة رائعة إلى الشباب غير المحدود.  رحلة مليئة بالمخاطر بلا شك، لكنها مليئة بالفرص أيضًا.  رحلة سيكون من الضروري فيها عبور عدة جسور قبل الوصول إلى حلم البشرية الذي طال انتظاره.  رحلة من العالم الخطي الحالي إلى عالم الغد الأسي.

بينما نتعلم كيف يتم تحويل المعلومات في العمليات البيولوجية ، تظهر العديد من الاستراتيجيات للتغلب على الأمراض وعملية الشيخوخة.  سنعيد عرض بعض الأساليب الواعدة هنا ، ثم نناقش أمثلة أخرى في الفصول القادمة.  إن أحد الأساليب القوية يتمثل في البدء بالعمود الفقري لمعلومات البيولوجيا: الجينوم.  مع تقنيات الجينات ، نحن الآن على وشك أن نكون قادرين على التحكم في كيفية تعبير الجينات عن نفسها.  في النهاية ، سنكون قادرين على تغيير الجينات نفسها.

تُعرف الفكرة الأصلية الآن باسم سرعة الهروب من طول العمر( the longevity escape velocity) ، والتي أثارها في الأصل رجل الأعمال الأمريكي و المتبرع الخيري ديفيد جوبيل ، و هو المؤسس المشارك لمؤسسة ميثوسيلا Methuselah جنبا إلى جنب مع أوبري دي جراي.  وتستند هذه الفكرة إلى سرعة الهروب الكوكبية التي تُمكِّن الجسم ، مثل القذيفة أو الصاروخ ،  من التغلب على قوة الجاذبية ومغادرة الأرض.  وقد تم حساب ضرورة وجود سرعة قدرها 11.2 كم / ثانية (كيلومترات في الثانية) ، أي ما يعادل 40320 كم / ساعة (كيلومتر لكل ساعة). و تُعرف هذه السرعة في الفيزياء بسرعة الهروب الكوكبية للأرض.

 تشير سرعة الهروب من طول العمر إلى حالة يمتد فيها متوسط ​​العمر المتوقع بسرعة أكبر من الوقت الذي ينقضي.  على سبيل المثال ، عندما نصل إلى سرعة الهروب من طول العمر ، فإن التقدم التكنولوجي سيزيد من متوسط ​​العمر المتوقع سنويًا بأكثر من عام.

 يزداد متوسط ​​العمر المتوقع بشكل طفيف كل عام مع تحسن استراتيجيات وتقنيات العلاج.  ولكنه حاليا يتطلب أزيد  من عام من البحث لكل سنة إضافية من العمر الإنتاجي المتوقع.  يتم تحقيق سرعة هروب طول العمر عندما تنعكس هذه النسبة ، بحيث يزيد متوسط ​​العمر المتوقع بأكثر من سنة واحدة لكل سنة من البحث ، طالما أن معدل التقدم هذا مستدام.

 متى سيحدث ذلك؟  إذا نظرنا إلى التاريخ ، فسيكون من الواضح أن متوسط ​​العمر المتوقع لم يزد على مر القرون إلا بشكل ضئيل. وقد بدأت التقدمات الكبيرة في زيادة متوسط ​​العمر المتوقع منذ القرن التاسع عشر وما بعده.  فتم اكتساب الأيام الأولى ، ثم الأسابيع ، والآن شهور.  و يُقدَّر اليوم أنه ، مقابل كل سنة نعيشها،  في البلدان الأكثر تقدمًا، يمكننا زيادة متوسط ​​العمر المتوقع لدينا بمقدار 3 أشهر: تظهر البيانات أن متوسط ​​العمر المتوقع في الدولة الرائدة في العالم قد زاد بمقدار ثلاثة أشهر في كل عام.

 

إن الشيخوخة ، كونها مركبة من أنواع لا حصر لها من التحلل الجزيئي والخلوي ، فستتم هزيمتها تدريجياً.  لقد تنبأت لبعض الوقت أن هذا التعاقب من التقدمات سيشهد عتبة ، والتي أأطلقت عليها هنا اسم «الميثوسيلاريا» ، وبعد هذه العتبة سيكون هناك فعلا انخفاض تدريجي في معدل التحسن في تقنيتنا المضادة الشيخوخة والتي تلزم لمنع  ارتفاع مخاطر الوفاة نتيجة لأسباب مرتبطة بالعمر مع تقدمنا ​​في السن.  لقد لاحظ العديد من المعلقين التشابه بين هذا التنبؤ والتنبؤات التي قدمها غود و فينج و كورزويل وغيرهم حول التكنولوجيا بشكل عام (تكنولوجيا الحاسوب بشكل خاص) ، والتي أطلقوا عليها اسم «التفرد».

 الميثوسيلاريا هي لحظة مستقبلية يتم فيها القضاء على جميع الحالات الطبية التي تسبب الموت البشري ولن تحدث الوفاة إلا عن طريق الصدفة أو القتل.  بعبارة أخرى ، » الميثوسيلاريا » هي النقطة التي سنصل عندها إلى فترة من الحياة اللامحدودة ، أو من دون شيخوخة، عندما نصل إلى سرعة الهروب لطول العمر.

يأتي الذكاء الاصطناعي للمساعدة

سيكون الذكاء الاصطناعي أحد التقنيات الرئيسية التي ستساهم في فهم علم الأحياء وتحسين الطب ، بطريقة أسية أيضًا.  لقد حددنا أزيد من 100 شركة تقوم بتطبيق خوارزميات التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتقليص أوقات اكتشاف الأدوية ، وتوفير المساعدة الافتراضية للمرضى ، وتشخيص الأمراض من خلال معالجة الصور الطبية ، وما إلى ذلك. بحلول عام 2025 ، يمكن أن تشارك أنظمة الذكاء الاصطناعي في كل شيء بدءًا من إدارة صحة السكان إلى  الشخصيات الرقمية القادرة على الرد على استفسارات محددة للمرضى.

يستغرق تطوير عقار ما و وصوله إلى السوق فعليا  ما بين 10 إلى 15 عامًا ، مع معدل فشل عالٍ للغاية. و لما كانت السلامة واحدة من القضايا الكبرى ، فإني لا ألوم هذه العملية بتاتا. بل و أعتقد أنها مبررة وأن [إدارة الغذاء والدواء] تتخذ الحيطة المناسبة.  ولكن نظرًا لأن الصحة الرقمية غالبًا ما تكون لها تأثيرات أقل على السلامة ، و أن التحسينات يمكن أن تحدث  في دورات تستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات ، فإن معدل الابتكار يرتفع بشكل كبير.

الخطة ب: الحفظ بالتبريد

نقدر أنه سيتم تسويق أولى علاجات التكنولوجيا الحيوية لتجديد الشباب البشري خلال عشرينيات القرن الحالي ، تليها علاجات تكنولوجيا النانو في عام 2030 ، ثم التحكم الكامل بعملية الشيخوخة وعكسها بحلول عام 2045. و حتى ذلك الحين ، للأسف ، سيستمر الناس في الموت. بالنسبة لمعظم الناس الذين عاشوا على وجه الأرض ، فإن تجديد شباب يأتي بعد فوات الأوان.  لقد فات الأوان بالنسبة لهم ، إما لأنهم شاخوا بالفعل وماتوا ، في العصر الحالي أو في أحد العصور الماضية  ، أو لأنهم على الرغم من كونهم لا يزالون على قيد الحياة ، فمن المحتمل أن يموتوا قبل أن تصبح علاجات تجديد الشباب الفعالة متاحة على نطاق واسع.  و في كلتا الحالتين ، نجدهم ينتمون إلى عصر الــ (BR) – أي عصر ما قبل التجديد (Before-Rejuvenation).

 جسر للخلود

 كما ناقشنا من قبل ، سيكون الوصول إلى عمر لا متناه ممكنًا في غضون عقود قليلة ، ولكن ما الذي يمكننا فعله حتى ذلك الحين؟ الحقيقة المحزنة هي أن الناس سيستمرون في الموت خلال السنوات القادمة ، والطريقة الوحيدة المتعارف عليها اليوم للحفاظ على أنفسنا بشكل جيد نسبيًا هي من خلال الحفظ بالتبريد (cryopreservation).  و يمكننا القول أن الحفظ بالتبريد يمثل «الخطة ب» للحصول على عمر بشري لامحدود إلى غاية وصول الخطة «أ».

بدأ العصر الحديث لحفظ البشر بالتبريد ، أو ببساطة التجميد ، عام 1962 عندما نشر الفيزيائي الأمريكي روبرت إيتنجركتاباً بعنوان » آفاق الخلود» The Prospect of Immortality ، حيث اعتبر أن تجميد المرضى (أو بالأحرى: الحفظ بالتبريد) تحسبا لظهور تقنيات طبية أكثر تقدمًا في المستقبل بإمكانها علاج الأمراض الحالية ، بما في ذلك الشيخوخة. على الرغم من أن حفظ  الإنسان بواسطة التبريد قد يبدو قاتلاً ، إلا أن إيتنجر جادل بأن ما يبدو قاتلاً اليوم قد يكون قابلاً للعكس في المستقبل.  تنطبق الحجة ذاتها على عملية الموت نفسها ، أي أن المراحل المبكرة من الموت السريري قد تكون قابلة للعكس في المستقبل.  من خلال الجمع بين هذه الأفكار ، يقترح إيتنجر أن تجميد الأشخاص الذين ماتوا مؤخرا قد يمثل وسيلة لإنقاذ الأرواح. و بناءً على هذه الأفكار ، أسس إيتنجر  وأربعة من زملائه الآخرين معهد التجميد السائل (Cryonics)عام 1976 في ديترويت بولاية ميشيغان. و كانت والدة إيتنجر مريضتهم الأولى ، وقد تم حفظها بالتبريد في عام 1977. ظل جسدها مجمداً عند درجة حرارة غليان النيتروجين السائل (-196 درجة مئوية).

إننا نعتبره امتدادًا لطب الطوارئ … نحن نتولى الأمر فقط عندما يتخلى الطب الحديث عن مريض ما.  فكر في الأمر على هذا النحو: قبل 50 عامًا إذا كنت تمشي على طول الشارع وسقط أمامك شخص ما ثم توقف عن التنفس ، لكنت ستفحصه وتقول أنه مات وتخلصت منه.  أما اليوم فلا نقوم بذلك ، بل أننا نقوم بإجراء الإنعاش القلبي الرئوي بل وجميع أنواع الإجراءات.  إن الأشخاص الذين اعتقدنا أنهم ماتوا قبل 50 عامًا نعلم الآن أنهم لم يكونوا كذلك.   تمثل تقنية التجميد السائل  الأمر نفسه ، نحن فقط بحاجة  إلى منع  تدهور حالتهم والسماح لتقنية أكثر تقدمًا في المستقبل بحل هذه المشكلة.

 يقرر العديد من المرضى تجميد الرأس فحسب.  البعض يفعل ذلك لأسباب اقتصادية ؛  بينما يعتقد البعض الآخر أن الهوية والذاكرة الإنسانية يتم تخزينهما في الدماغ ، وبالتالي ليس من الضروري حفظ الجسم كله بالتبريد ، والذي يمكن أيضًا إعادة بنائه باستخدام تقنيات مختلفة.

بالنسبة لمعهد التجميد السائل  ، فهو يقوم فقط  بالتبريد الكلي ، في حين يقوم معهد ألكور  بكل من  التجميد العصبي والحفظ بالتبريد الكامل. و حتى الآن، يقترب معهد التجميد السائل من الوصول إلى 200 مريض تم حفظهم بالتبريد وأكثر من ألف عضو ، بينما يمتلك  معهد ألكور عددًا مماثلا من المرضى (حوالي ثلاثة أرباعهم من مرضى الأعصاب) والأعضاء.  ينضم المرضى والأعضاء الجدد كل شهر إلى المركزين الرئيسيين  للحفظ بالتبريد في الولايات المتحدة.  كما تحتفظ المؤسستان أيضًا بالعديد من العينات المجمدة من الحمض النووي والأنسجة والحيوانات الأليفة والحيوانات الأخرى في إطار الحفظ بالتبريد. و يتقاضى معهد التجميد السائل  ما بين 28000 دولار و 35000 دولار (لا يشمل التكاليف الباهظة لـ SST: الاستعداد (Standby) / الاستقرار(Stabilization) / النقل(Transport)) لحفظ كامل الجسم بالتبريد. أما معهد ألكور فيتقاضى 80000 دولار أمريكي مقابل عمليات التجميد العصبي و 200000 دولار أمريكي مقابل عمليات تجميد الجسم بالكامل ( بما في ذلك التكاليف الباهظة لـ SST )

كيف يعمل التجميد السائل؟

حتى الآن لم يتم إنعاش أي شخص بعد أن تم حفظه بالتبريد ، وهذا  لأننا ما زلنا لا نعلم  أيضا كيفية علاج الحالات التي تسببت في المرض العضال الذي عانى منه المريض في وقته.  ومع ذلك ، بفضل التقدم التكنولوجي الهائل ، من المحتمل جدًا أن نتمكن من إنعاش المرضى في العقود القادمة.  يتحدث المستشرف الأمريكي راي كورزويل عن أربعينيات القرن الحالي كموعد أول عملية إنعاش للمرضى الذين تم حفظهم بالتبريد ، بدءًا من آخر المرضى الذين خضعوا لهذه التقنية، والذين  سيتم حفظهم بالتبريد باستخدام تقنيات أفضل ، وانتهاءً بالمرضى الأوائل.

 والدليل على هذا التصور هو أن الحفظ بالتبريد قد تم بالفعل باستخدام خلايا  حية وأنسجة و عضيات صغيرة مختلفة.  كما توجد أيضا العديد من الفقاريات التي تتحمل التجمد ، وتعيش بعض الكائنات الحية في فصل الشتاء عن طريق التجميد الصلب وإيقاف وظائفها الحيوية.  ويمكن لبعض أنواع الضفادع، السلاحف،  السمادل ،الثعابين والسحالي أن تنجو من التجمد وتتعافي بالكامل بعد فصل الشتاء في المناخات الباردة.  وقد طورت بعض أنواع البكتيريا والفطريات والنباتات والأسماك والحشرات والبرمائيات التي تعيش بالقرب من القطبين مواد تحميها من التجمد مما يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة في ظروف الصقيع.

إن البويضات والحيوانات المنوية وحتى الأجنة يتم حفظها بالتبريد اليوم لإنعاشها في المستقبل.  وقد تم استخدام البويضات والحيوانات المنوية المجمدة لغرض تكاثر الحيوانات ، وحتى الأجنة البشرية تم حفظها بالتبريد وتم تطويرها لاحقًا دون وجود أي مشاكل خلقية أو مشاكل أخرى.  كما يتم اليوم تجميد و إذابة الدم والحبال السرية ونخاع العظام وبذور النباتات وعينات الأنسجة المختلفة.  و تتمثل أعظم  الانتصارات الأخيرة لعلم التجميد في ولادة جنين سنة 2017 كان قد تم حفظه بالتبريد لما يقرب 25 عامًا.

نعتقد أن الأشخاص الذين تم حفظهم بالتبريد اليوم يمكن إحياؤهم في المستقبل من خلال استخدام التقنيات المتقدمة.  و توجد مجموعة متزايدة من المؤلفات العلمية التي تدعم جدوى علم التجميد. وقد وقع بعض العلماء المرموقين على رسالة مفتوحة تدعم علم التجميد ، ومن ضمنهم أوبري دي جراي والعالم الأمريكي مارفن مينسكي ، الذي يُعتبر أحد «آباء» الذكاء الاصطناعي ، والذي تم حفظه بالتبريد بعد وفاته في عام 2016:

نُصِرُّ مرة أخرى على أن الحياة نشأت من أجل الحياة وليس من أجل الموت.  إننا نتوقع علاجًا للشيخوخة بحلول منتصف القرن، ولكن لكي يحدث ذلك ، من الضروري إعلان الحرب على الشيخوخة.  في الوقت نفسه ، تعتبر تقنية التجميد السائل هي الخطة ب. و توجد بالفعل أدلة على التصور الذي مفاده أن كلا من الأعمار غير المحددة ممكنة (الخطة أ) وأن التجميد ممكن أيضًا (الخطة ب).  أما الآن فنحن بحاجة إلى مزيد من التقدم العلمي لحل المشكلات التقنية لأننا نعلم أن ذلك أمر ممكن ، وكلما أسرعنا في القيام بذلك ، كان ذلك أفضل للبشرية.  فكل حياة تضيع هي مأساة ، إنها بلا شك مأساة شخصية ، كما أنها تمثل خسارة للمجتمع ككل ، إلا أنه  يمكننا إيقافها.  مع إقتراب نهاية الموت ، نتجه نحو عمر لا محدود للإنسان: يحيا الحفظ بالتبريد!

إن  الحجج  التي تم تقديمها ضد فكرة التجميد تشابه الحجج المقدمة ضد فكرة تجديد الشباب.  يقول بعض النقاد إن تقنية التجميد السائل لا يمكن أن تنجح: فالتحديات التقنية لإيقاظ شخص ما من حالة درجات الحرارة المنخفضة هذه يعتبر أمرا في غاية الصعوبة.  كما قد يتسبب خفض درجة حرارة الجسم إلى مستويات شديدة الانخفاض في الإضرار به بشكل غير قابل للإصلاح، على الرغم من الاستخدام الدقيق لمضادات التجمد والمواد الواقية من التجمد و غيرها من المواد الكيميائية المعقدة.  ومع ذلك، فإن هذه المواد الكيميائية تعتبر سموما في حد ذاتها ، وقد تؤدي عملية تبريد الأعضاء الكبيرة إلى حدوث كسور. يقول بعض النقاد الآخرين أنه لا ينبغي حتى التفكير في استخدام التجميد السائل ، لأنها خطأ من الناحية الأخلاقية. و يزعمون أن الأمر يتعلق بإساءة استخدام الموارد القيمة ، أو الوهم الشرير ، أو الاحتيال المالي ، أو ما هو أسوأ من ذلك.

ردنا على هذه الانتقادات – مثل ردنا على الانتقادات الموازية لتجديد الشباب – هو أننا نعترض وبشدة.  ففي كلتا الحالتين ، نرى أن غالبية الانتقادات تنم عن الاطلاع المحدود، أو أنها مدفوعة بنمط تفكير خاطئ و  دوافع خفية أخرى (غالبًا ما تكون مكبوتة). في كلتا الحالتين – التجديد والتجميد –نتقبل أن مهمة الهندسة ستكون صعبة  .  إلا اننا  لا نرى أي سبب في كلتا الحالتين يجعل المهمة مستحيلة.  وفي الوقت المناسب ، سيكون من الممكن استحداث حلول عالية الجودة.  كما أننا في كلتا الحالتين ، سنرى سلسلة من السوابق القائمة بالفعل ، والتي تشير إلى السبيل نحو حل هندسي نهائي و شامل.

لا تجمد

سابقة ثانية تشير إلى طريقة تقنية التجميد الناجحة وتتمثل في حقيقة كون بعض الكائنات الحية قادرة على  أن تعيش بالفعل أنواعًا مختلفة من سبات ما  تحت درجة الصفر. على سبيل المثال ، يعيش السنجاب الأرضي في القطب الشمالي سباتا تصل مدته  إلى ثمانية أشهر كل عام ، وخلال هذه الفترة تنخفض درجة حرارته الأساسية من 36 درجة مئوية إلى -3 درجة مئوية ، في حين يمكن أن تصل درجات الحرارة الخارجية إلى -30 درجة مئوية.  

يستخدم الحفظ بالتبريد بالفعل في المختبرات في جميع أنحاء العالم للحفاظ على الخلايا الحيوانية والأجنة البشرية وبعض الأنسجة المنظمة لفترات تصل إلى ثلاثة عقود.  عندما يتم حفظ عينة بيولوجية بالتبريد ، تتم إضافة مواد كيميائية واقية من التجمد مثل  DMSO  أو البروبيلين جليكول (propylene glycol) كما يتم خفض درجة حرارة الأنسجة إلى أقل من درجة حرارة التحول الزجاجي (عادةً حوالي 120- درجة مئوية). و في درجات الحرارة هذه ، تتباطأ الأنشطة الجزيئية بأكثر من 13 مرتبة من حيث الحجم ، مما يوقف الزمن البيولوجي بشكل فعال.

على الرغم من أن لا أحد يفهم كل التفاصيل الموجودة في فسيولوجيا أي خلية ، إلا أنه يتم حفظ الخلايا بنجاح تقريبًا من كل نوع يمكن تصوره.  وبالمثل ، في حين أن الأساس العصبي للذاكرة والسلوك و غيرها من سمات هوية الشخص قد تكون معقدة بشكل مذهل ، فإن فهم هذا التعقيد يمثل مشكلة مستقلة إلى حد كبير عن القدرة على الحفاظ عليه.

يعد حفظ الأعضاء البشرية الكبيرة ، مثل القلوب أو الكلى ، بشكل عكسي أكثر صعوبة من حفظ الخلايا ، إلا أنه يمثل مجال بحث نشط يحمل فوائد مهمة للصحة العامة ، لأنه سيزيد بشكل كبير من إمدادات الأعضاء  المتاحة لعمليات الزرع.  وقد حقق الباحثون تقدمًا في هذا المجال ، ونجحوا في حفظ مبايض الأغنام وأطراف الجرذان وزرعهم في وقت لاحق ، وكذا استعادة كلى الأرانب بشكل روتيني بعد تبريدها في دراجة حرارة تصل إلى -45 درجة مئوية.  و تقدم الجهود المبذولة لتحسين هذه التقنيات دعمًا غير مباشر لفكرة أن الدماغ ، مثل أي عضو آخر ، قد يمكن حفظه بالتبريد بشكل كافٍ باستخدام الطرق الحالية أو الطرق قيد التطوير.

 يرجى ملاحظة أن علماء التجميد متيقنون تماما أن طرق الحفظ التي يستخدمونها يجب أن توصف بأنها «تزجيج» (vitrification) بدلاً من «تجميد»( freezing).  و يتم شرح الاختلاف بشكل مباشر ، باسخدام رسومات سهلة الفهم ، على الموقع الإلكتروني لمعهد ألكور ، باعتباره أحد المزودين الرائدين لخدمات التجميد.  إليك الاستنتاج الرئيسي:

نظرًا لعدم تكون أي جليد ، يمكن أن يؤدي التزجيج إلى تصلب الأنسجة دون حدوث أي تلف الهيكلي.

الطفرة المرتقبة في تقنيات التجميد وغيرها من التقنيات

نقترح الآن الإدلاء ببعض الملاحظات النهائية حول علم التجميد والأسباب التي تجعلنا نعتقد أنه ليس مجديًا فحسب، بل أنه سيقطع شوطًا طويلاً أيضًا في السنوات القليلة القادمة:

  • يمكن حاليًا تغطية التكاليف الاقتصادية للحفظ بالتبريد والتخزين طويل الأجل و (بافتراض أن كل شيء يسير على ما يرام) الإنعاش النهائي ، من خلال بوليصة التأمين على الحياة
  • تنخفض التكاليف الاقتصادية للمريض الخاضع للتجميد بمقدار كبير إذا زاد عدد المرضى بشكل مشكل ملحوظ ؛ وهذا هو المبدأ المألوف للاستفادة من «اقتصاديات الحجم»
  • طالما أن النموذج السائد في المجتمع هو » قبول الشيخوخة» ، فإن معظم الناس سيشعرون بضغط اجتماعي ونفسي قوي تجاه دراسة عمليات التجميد ، وبالتالي توقيع العقود ذات الصلة.  ومع ذلك ، نظرا لأن هذا النموذج يذبل (كما نعتقد أنه سيحدث) في ظل دعاية أكبر لإحداث اختراقات جديدة ، سيصبح عدد أكبر من الناس منفتحين على احتمالية التجميد
  • سيؤدي الاهتمام المتزايد بالموضوع أيضًا إلى قيام المزيد من الأشخاص بإجراء أبحاث حول التحسينات في مجال التجميد – بما في ذلك تحسينات التكنولوجيا والهندسة وشبكات الدعم ونماذج الأعمال والأطر التنظيمية وطرق التواصل المتعلقة بهذا الموضوع لجماهير أوسع.  وفي المقابل ، ستؤدي الابتكارات الناتجة إلى تسريع جاذبية خيار التجميد.
  • نظرًا لتزايد تأييد الشخصيات رفيعة المستوى من مجالات على غرار الترفيه والأعمال والأوساط الأكاديمية والفنون لهذه اللفكرة ، فهذا ما من شأنه أن بُعبد الطريق  أمام أفراد أوسع من عامة الناس ليشعروا بالراحة حيال تعريف أنفسهم على أنهم علماء تجميد.

«البديل الجذري» الرئيسي الذي تمت مناقشته هنا هو الحفظ بالتبريد ، لكنه ليس الاحتمال الوحيد الذي سيقدمه لنا المستقبل.  إن ما يحفز الحفظ بالتبريد هو احتمال أنه في مرحلة ما ، سيتقدم الطب إلى درجة توفير علاجات فعالة للغاية في مجال تجديد الشباب ، واستخدام هذه العلاجات المستقبلية من شأنه أن يعالج المرضى من أي أمر كان على وشك إنهاء حياتهم قبل أن يتم تعليقهم عن طريق التجميد.  ومن حيث المبدأ ، سيعيد استخدام هذه العلاجات المرضى إلى حالة صحية ممتازة ، وفي غضون ذلك ، نعتقد أن الاحتفاظ بهم في النيتروجين السائل لأجل غير مسمى سيكون ميسور التكلفة بشكل نسبي.  وعلاوة على ذلك ، إلى جانب الحفظ بالتبريد ، يبحث بعض العلماء أيضًا عن إمكانيات أخرى مثل الحفظ الكيميائي (chemopreservation)  وأنواع مختلفة من التلدين (plastination) ، والتي تواجه صعوباتها الخاصة.

المستقبل يعتمد علينا

لقد حقق مشروع تجديد الشباب قدرا كبيرا من التقدم على مدى العقود الثلاثة الماضية.  كما أن الشيخوخة اليوم أصبحت مفهومة أفضل بكثير مما كانت عليه في أي حقبة سابقة. و علاوة على ذلك ، كما أوضحت الفصول السابقة ، توجد العديد من الأسباب لتوقع تسارع التقدم خلال العقدين أو الثلاث عقود القادمة. و يجب أن يشهد هذا التقدم إستحداث علاجات عملية في الهندسة الحيوية و التي ستستفيد بشكل متزايد من معرفتنا النظرية المتسعة.  كما توجد سيناريوهات مستقبلية موثوقة ، للوصول إلى وضع معين بحلول عام 2040 تصبح فيه الأمراض الفظيعة المرتبطة بالشيخوخة نادرة مثلما هو الحال مع شلل الأطفال والجدري اليوم.

 ومع ذلك ، هناك العديد من الشكوك التي تنتظرنا.  إنها ليست مجرد شكوك في التفاصيل – على سبيل المثال ، ما هو الدواء الذي سيثبت أنه سيكون له أكبر تأثير قصير المدى على العمر الصحي ، أو أي خوارزمية الذكاء الاصطناعي ستقدم أهم الأفكار المتعلقة بالتعديلات في مسارات الجينات.  بدلاً من ذلك ، توجد شكوك حول الأساسيات – المشكلات التي يمكن أن تعرض مشروع تجديد الشباب بمجمله للخطر. 

لقد حان الوقت لإلقاء نظرة عن كثب على ما يمكن أن يكون أكبر العقبات في طريق القضاء على الشيخوخة. و من بين جميع الأسئلة التي يطرحها علينا الجمهور ، عندما نحدثهم عن إمكانية تجديد الشباب ، يعتبر هذا السؤال هو الأصعب في الإجابة عليه.

طرق سيئة لفعل الخير؟

إن أحد أكبر التهديدات لمشروع تجديد الشباب هو أن يسود التفكير المشوش ، في أذهان الجمهور ، حول نوع الإجراءات التي تستحق الإعجاب.  إن الأشخاص الذين يرغبون في التصرف بطريقة رائعة قد يسترشدون ، مع ذلك ، بأفكار تنتهي بإلحاق الأذى بدل الخير . و كضحايا للضغوط الاجتماعية والنفسية ، سيجدون أنفسهم محاصرين ، بوعي أو بغير وعي ، في نموذج قبول الشيخوخة. و ستقودهم فلسفاتهم الشخصية إلى اتخاذ إجراءات تسبب في الواقع ضررًا لأنفسهم ولإخوتهم المواطنين.

بشكل محدد ، إذا كان الناس مقتنعين بأنه من اللائق قبول الشيخوخة المستمرة والموت الوشيك ، كنوع من «النظام الطبيعي للأمور» ، فسيميلون إلى معارضة الإجراءات التي من شأنها إتاحة تمديد الفترات الصحية بشكل جذري.  بوعي أو بغير وعي ، سيرون (بشكل خاطئ) مثل هذه الإجراءات على أنها مجحفة بطريقة ما ، أو غير متوازنة ، أو غير متكافئة ، أو جشعة ، أو مغرورة ، أو طفولية.

 يفضل الأشخاص المتقوقعين داخل هذه العقلية أن يستثمر المجتمع وقته وجهوده التقديرية في المشاريع التي تقبل الشيخوخة كأمر مسلم به.  على سبيل المثال ، قد يدعمون المشاريع التي تسعى إلى مساعدة كبار السن من خلال تزويدهم بجيران يمكنهم الاتصال بهم، أو النقل بتكلفة أقل ، أو تحسين مرافق «المساعدة المعيشية». أما المشاريع الأخرى التي قد يكونون مرتاحين لدعمها هي أن المزيد من الناس يمكنهم العيش لفترة كافية ليصبحوا مسنين ، بدلاً من التعرض للحوادث أو الإصابة الأمراض في  شبابهم أو في منتصف عمرهم.  أو أنهم سيدعمون توسيع نطاق التعليم للأشخاص في جميع الأعمار.  وسيرون كل هذه المشاريع باعتبارها طرقًا رائعة ومقبولة لفعل الخير.  لكن أبصاره ستغشى  عن احتمالية وجود طريقة أفضل لهم لفعل الخير.

اللامبالاة العامة؟

بشكل عام ، هناك نهجان للتغلب على اللامبالاة وتغيير العالم.  إما أن تغير العالم مباشرة ، و إما أن تغير آراء الناس حول أهمية تغيير العالم (بحيث يغير أحدهم العالم بدلاً منك).  بمعنى آخر ، إما أن تشارك حقا في فعل الأشياء ، أو تتحدث عن مدى روعة الأمر إذا ما فعل الناس أشياء مختلفة.

ونحن نرى أن هناك دورًا مهمًا جدا للتوعية الإلكترونية ، في معركة رفع مستوى الوعي العام بالفرص العميقة لتجديد الشباب والمخاطر العميقة الناتجة عن سوء الاستخدام المحتمل للتقنيات الأساسية نفسها. فعلى سبيل المثال، كان للشبكات الاجتماعية تأثير كبير على التغيير الحكومي في العديد من بلدان الشرق الأوسط إضافة إلى أجزاء أخرى من العالم على مدى العقد الماضي.

 إلى جانب الشبكات الاجتماعية ، تبقى وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والراديو والتلفزيون مهمة.  كما تعتبر أشكال الاتصال الأخرى على غرار الأفلام والموسيقى والكتب والمحاضرات والشعر والفن أساسية بالقدر ذاته. حتى مقاطع الفيديو على اليوتيوب يمكن أن تساعد في حشد الناس ، كما هو الحال مع مقطع الفيديو الرائع «لماذا نشيخ ؟ هل يجب أن ننهي الشيخوخة إلى الأبد؟»  الذي شاهده  أكثر من أربعة ملايين شخص خلال الأشهر الأربعة الأولى من نشره. و على الرغم من أن هذا بعيد كل البعد عن 4.6 مليار مرة شوهد فيها مقطع فيديو لأغنية «ديسباسيتو» على اليوتيوب خلال عامها الأول ، إلا أنه يبقى أفضل من لا شيء.

  من الضروري أيضًا تحويل أفكار تجديد الشباب إلى أفكار فيروسية (أي واسعة الانتشار) ، بما في ذلك تمديد وتوسيع الحياة البشرية.  وفي الوضع الأمثل ، يجب إنشاء الميمات للمساعدة في «نشر» أفكار النموذج الجديد للشباب الخالي من الأمراض إلى أجل غير مسمى ، لأن ما يسفر عن هذا من  مصالح لا يعد و لا تحصى ، بالنسبة للجميع و من دون تمييز.

النمو الأسي؟

إذا تم تنفيذه بشكل جيد ، يمكن أن يساهم كل ما يلي في حدوث تغيير زلزالي في العقلية العامة من الوقوع في «تقبل الشيخوخة» إلى تقبل » تجديد الشباب» ، ومن ثم تقديم الدعم الكامل له من خلال: مقاطع الفيديو القصيرة ، المدونات القوية على الإنترنت ، القصائد العاطفية ، الرسوم المتحركة المميزة ، القصائد الفكاهية الذكية ، النكات الحذقة ، العروض الدرامية ، الفن المفاهيمي ، الروايات ، الأناشيد المرتفعة ، الهتافات ، الشعارات ، و «الميمات» المعبرة التي تتكون من صورة واقتباس لا يُنسى.  يمكن أن تساعد جميع هذه العوامل في تفكيك اللامبالاة العامة و تسريع نمو تقنيات تجديد الشباب في جميع أنحاء العالم.

 وإذا قام المتقاعسون بتحديد و تسليط الضوء على أفضل المساهمات الموجودة من بين العديد من المساهمات التي تم إنشاؤها ، بحيث تحظى هذه الأخيرة بمزيد من الاهتمام ، كما أنها تسرع من  هشاشة معاقل نموذج تقبل الشيخوخة  ، فهذا أمر نثني عليه بشدة.  بمجرد أن تتغير العقول ، يمكن أن تلحق الأفعال.  و عندما يتم وضع الأساس ، يمكن للأفكار الجديدة أن تنتشر بسرعة.

من الصعب بالطبع معرفة متى يكون الوقت مناسبا لفكرة معينة.  إذا صاح شخص ما في وقت مبكر جدا بوجود ذئب و أعاد الكرة مرارا ، فإنه سيفقد مصداقيته – وجمهوره.  لكننا نرى الكثير من الأسباب التي تجعل الوقت الحاضر مناسبًا لفكرة أنه يمكننا ، ويجب علينا ، إلغاء الشيخوخة.  ويمكن دعم هذه الفكرة من خلال مجموعة من الملاحظات:

  • أمثلة على الحيوانات التي تختبر الشيخوخة الضئيلة
  • التلاعب الجيني الذي يمكن أن يطيل العمر بشكل كبير (و العمر الصحي)
  • الإمكانيات الرائعة لعلاجات الخلايا الجذعية
  • إمكانيات تغيير قواعد لعبة التعديل الجيني لتقنية كريسبر (CRISPR)
  • زيادة جدوى التدخلات  النانوية ، مثل الجراحة النانوية وروبوتات النانو
  • المؤشرات المبكرة على إمكانية إنشاء أعضاء اصطناعية
  • مشاريع بحثية تستهدف كل من الأسباب السبعة الكامنة وراء الشيخوخة 
  • تشجيع التقدم في الأفكار الجديدة لعلاج مرض السرطان وأمراض الشيخوخة الأخرى
  • نتائج واعدة من تحليل البيانات الضخمة بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يصبح أقوى تدريجيا 
  • النماذج المالية التي تظهر الفوائد الاقتصادية الهائلة لعائد تمديد العمر
  • أمثلة من المجالات التكنولوجية الأخرى للتقدم السريع غير المتوقع
  • أمثلة من مشاريع ناشطة أخرى للتغيرات السريعة في العقلية الاجتماعية.

 توفر هذه الملاحظات البيئة التي يمكن أن تزدهر فيها فكرة إلغاء الشيخوخة ، ولكن لا تزال المهمة قائمة لدعم هذه هذه الفكرة فعليًا:

  • إيجاد طرق أفضل وأكثر فاعلية للتعبير عن الفكرة بحسب الجماهير المختلفة
  • تحليل الاعتراضات التي يثيرها الناس تجاه الفكرة ، وإيجاد ردود جيدة على هذه الاعتراضات
  • تقدير الظروف الأساسية التي تجعل الناس يرغبون في الاعتراض على الفكرة (أو حتى مجرد تجاهلها) ، واتخاذ خطوات ، حيثما أمكن ، لتغيير هذه الظروف.

 إذا تُركت هذه المهام  دون تنفيذ، فقد تضعف الفكرة ، باعتبار أن الاهتمام بها محصور في فئة الأقلية فقط. و في هذه الحالة ، سيظل نموذج قبول الشيخوخة هو النموذج المهيمن. كما سيتم توجيه الاستثمار – العام والخاص على حد سواء – إلى مجالات أخرى غير مجال تجديد الشباب. أما العقبات التنظيمية فستظل قائمة ، و هو ما من شأنه أن يحبط جهود المبتكرين في تطوير ونشر علاجات تجديد الشباب.  وسيستمر أكثر من 100000 شخص في الموت ، يوميا ، جراء أمراض الشيخوخة التي يمكن تجنبها بالفعل.  وهذا ما سيمثل الثمن الباهظ للامبالاة العامة المستمرة تجاه إمكانية إلغاء الشيخوخة.

ومع وجود مجموعة مختلفة من الجذور في أواخر القرن العشرين ، وتزايد الزخم مع تقدم القرن الحادي والعشرين ، يمكن أن يصبح إلغاء الشيخوخة ، بالمثل ، فكرة قد حان وقتها.  إنها فكرة عن مستقبل أفضل بشكل كبير للبشرية – مستقبل سيسمح لمليارات البشر بتحقيق إمكانات أكبر بكثير.  ولكن بالإضافة إلى الهندسة الممتازة – إنشاء علاجات تجديد موثوقة ومتاحة – فإن هذا المشروع سيتطلب أيضًا نشاطا شجاعًا وذكيًا ومستمرًا لتغيير المشهد العام من معادٍ (أو لامبال) لتجديد الشباب إلى مشهد يدعمه بشدة.

ضجيج يغمر الإشارة؟

 في تصفيقنا للنشاط المؤيد لتجديد الشباب ، لا نقصد المصادقة على كل خطاب يمكن العثور عليه على شبكة الإنترنت أو في ثنايا الكتب ، لصالح هذا المشروع.  وبعيدا عن ذلك،  فإن الكثير مما يقال لدعم التجديد ربما سيأتي فعلا بنتائج عكسية .

  • مطالب متهورة ، و ادعاءات غير مبررة حول فعالية المقويات أو العلاجات الفردية
  • تشويه نتائج البحث من تجارب معينة ، بهدف تعزيز تصور السوق للمنتجات قيد التطوير التجاري
  • التكرار المرهق للتبسيط المفرط و المضلل للمبادئ الأكثر تعقيدًا
  • الإدعاءات المؤذية حول كفاءة أو دوافع النقاد الباحثين الذين يتابعون بعناية العمليات العلمية الراسخة 
  • الادعاءات التي يُفهم جيدًا أنها خاطئة ولكنها تتكرر باستمرار رغم ذلك ، بدافع السذاجة و / أو الإهمال ، من قبل أشخاص ذوي نوايا الحسنة إلا أنهم مضَّللون.
  • حث الأشخاص على الخضوع لعلاجات خطيرة في الواقع.

من الواضح أن هذا الكتاب يهدف إلى تغطية العديد من المواضيع المذكورة أعلاه.  ومع ذلك ، فإن مجال تجديد الشباب يعتبر مجالا سريع التغير.  إذ سيكون بعض ما كتبناه على هذه الصفحات قديمًا ، أو غير مكتمل ، بحلول الوقت الذي تقرأه فيه. و للحصول على معلوملت أكثر حداثة وشمولية, يرجى الاطلاع على  الموقع الإلكتروني المصاحب لهذا الكتاب. كما  نوصي أيضًا باستخدام الموارد الموجودة على الإنترنت مثل Lifespan.io ، («التعهيد الجماعي لعلاج الشيخوخة») ، حياة صحية إلى الأبد («مبادرة إنسانية خاصة تهدف إلى تمكين الناس من تمديد أعمارهم الصحية إلى حد كبير»)، و حزب أبحاث الصحة («معًا ضد الأمراض المرتبطة بالعمر»)

إحداث فرق حقيقي؟

 في هذا الفصل ، قمنا بمراجعة بعض من أكبر المخاطر التي تواجه مشروع تجديد الشباب.  قد يتعثر المشروع بفعل تحديات تقنية هائلة تكون أصعب مما يتوقعه دعاة التجديد.  قد ينفر المؤيدين المحتملين المهمين بسبب الكلمات و / أو الأفعال التي تم اختيارها  بشكل سيء، مما يحرم المشروع من المشورة والتمويل اللذين تشتد الحاجة إليهما.

 قد يتعذر تحقيق دعم آخر ، بسبب اللامبالاة العامة السائدة ، حيث يظل نموذج قبول الشيخوخة هو النموذج المهيمن.  ومع ذلك ، يمكن أن يثبت المؤيدون الآخرون أنهم عقبات خالصة أمام المشروع ، مما يؤدي إلى تضخيم الارتباك بدلاً من تقديم المساعدة الفعلية.

 قد يفرض السياسيون المحافظون تقنيًا حواجز هائلة بدلاً من إجراء البحث اللازم لإنشاء ونشر علاجات تجديد الشباب.  قد يُعجّل أتباع الليبرالية التكنولوجية عن غير قصد بانهيار اقتصادي سببه التفكيك المضلل للسياسات العامة.  كما و قد تنذر المخاطر الوجودية ، من قبيل التغير المناخي الجامح ، ومسببات الأمراض شديدة الضرواة ، أو وصول الإرهابيين إلى أسلحة الدمار الشامل المروعة ، بعصر مظلم جديد رهيب.

علاوة على ذلك أشرنا أيضًا ، في هذا الفصل ، إلى الإجراءات  و نحن نطلب من كل قارئ أن يفكر في الإجراءات التي  من شأنها أن تلعب دورًا أفضل في مواطن قوته الشخصية.

إننا نتوقع أن تكون الأنواع الستة التالية من الإجراءات الأكثر بروزا التي يمكن أن يتخذها مؤيدو التجديد ، للتعامل مع هذه المخاطر ، ولزيادة القوى الإيجابية التي تقف جنبًا إلى جنب مع هذه المخاطر السلبية:

 أولاً ، نحتاج إلى تقوية أواصرنا مع المجتمعات التي تعمل على الأقل على جزء من مشروع تجديد الشباب.  يجب أن نكتشف المجتمعات التي يمكنها أن ترعانا وتلهمنا ، وأين يمكننا أن نساعد ، بدورنا ، في رعاية الآخرين وإلهامهم.  كما ستمنحنا الروابط الشبكية الناتجة قوة أكبر لمواجهة التحديات القادمة.

ثانيًا ، نحتاج إلى تحسين فهمنا الشخصي لجوانب التجديد – العلم ، الخرائط الاستراتيجية ،التاريخ ،الفلسفة ،النظريات ،الشخصيات ، المنصات والأسئلة المفتوحة وما إلى ذلك.  من خلال  فهم أفضل ، يمكننا أن نرى بوضوح أكبر ما هي المساهمات التي يمكننا تقديمها – كما ويمكننا مساعدة الآخرين في اتخاذ قرارات مماثلة لأنفسهم. و في بعض الحالات ، يمكننا المساعدة في توثيق فهم أفضل لموضوعات معينة ، من خلال إنشاء أو تحرير قواعد المعرفة أو مواقع الويكي.

 ثالثًا ، يمكن للكثيرين منا أن يشارك في التسويق بشكل أو بآخر.  قد نعمل على إنشاء وتوزيع مختلف الرسائل التسويقية والعروض التقديمية ومقاطع الفيديو والمواقع الإلكترونية والمقالات والكتب وما إلى ذلك. كما أننا  قد نقوم بتحديد جماهير معينة – مجموعات من الأشخاص – ونعمق فهم المجتمع للقضايا التي تشغل بال هذه الجماهير.  قد نأخذ الوقت الكافي لبناء علاقات أفضل مع المؤثرين الرئيسيين (المؤيدين الجدد المحتملين لتجديد الشباب).  قد نقوم حتى بتطوير مهاراتنا السياسية ، وتحسين قدرتنا على التأثير في الآخرين ، وتشكيل التحالفات ، و الوساطة في إنشاء  الائتلافات ، وإعداد مسودة تشريعات بطريقة تلائم السياسيين. 

 رابعًا ، يمكن للبعض منا إجراء بحث أصلي – في أي من الأمور المجهولة في مجال تجديد الشباب.  يمكن أن يكون هذا جزءًا من الدورات التعليمية الرسمية ، أو يمكن أن يكون التزاما تجاريًا للبحث والتطوير.  كما يمكن أن يكون أيضًا جزءًا من نشاط لامركزي، بأسلوب «علم المواطن».

خامسًا ، يمكن للكثيرين منا توفير التمويل للمشاريع التي نرى أنها جديرة بالاهتمام بشكل خاص.  يمكننا المشاركة في مبادرات محددة لجمع التبرعات ، أو يمكننا التبرع ببعض ثروتنا الشخصية. كما بإمكاننا أيضًا أن نقرر تغيير وظائفنا ، من أجل كسب المزيد من المال ، حتى نتمكن من تقديم تبرعات أكبر للمشاريع التي نهتم بها أكثر.

 أخيرًا وليس آخرًا ، يمكننا العمل على فعاليتنا الشخصية – قدرتنا على إنجاز المهام.  بعد أن أدركنا الأهمية التاريخية لهذه الفترة الزمنية الراهنة – وهي فترة زمنية يمكن أن يشهد فيها المجتمع البشري تحولا ملحوظا إما نحو الأفضل وإما نحو الأسوأ – ينبغي علينا أن نجد طرقًا للارتقاء فوق المشتات والقصور الذاتي يوما بعد يوم.  – الحياة اليومية «كالمعتاد».

 بدلاً من أن نكون مجرد متفرجين مهتمين يقفون على هامش أحداث الذروة لأقدم مساع البشرية ، ونقدم هتافات التشجيع بين الحين و الآخر ، يمكننا تحويل أنفسنا لنصبح مشاركين نشطين في هذا المسعى.  إذا إذا وضعنا حياتنا في نصابها ، يمكن لكل واحد منا أن يحدث فرقًا حقيقيًا جدا.

المستقبل يبدأ اليوم.  المستقبل يبدأ هنا.  المستقبل يبدأ معنا.  المستقبل يبدأ معك اليوم.  من إن لم تكن أنت؟  متى إن لم يكن الآن؟  أين إن لم يكن هنا؟  انضم إلى الثورة ضد الشيخوخة والموت!  احتضار الموت!




Scroll al inicio